الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال الفخر الرازي: جاءت امرأة إلى بعض أكابر الصوفية بزيت وقالت: أسرجه في المسجد فقال: أيما أحب إليك نور يصعد إلى السقف أو نور يصعد إلى العرش؟ قالت: بل إلى العرش، قال: إذا صب في القنديل صعد نوره إلى السقف وإذا صب في طعام فقير جائع صعد النور إلى العرش ثم أطعمه الفقراء. - (طب عن الحكم بن عمير) فيه سليمان بن سلمة الجنائز وهو ضعيف انتهى ولكن له شواهد. [ص 167] 200 - (أحب الأعمال إلى الله بعد أداء الفرائض) أي بعد أداء الفرائض العينية من صلاة وزكاة وصوم وحج (إدخال السرور) أي الفرح (على المسلم) بأن تفعل ما يسره من تبشيره بحدوث نعمة أو اندفاع نقمة أو كشف غمة أو إغائة لهفة أو نحو ذلك من أنواع المسرة. قال الزمخشري: والسرور لذة القلب عند حصول نفع أو توقعه وأما الفرائض فليس شيء أحب إلى الله من أدائها مع أنها لا تنفعه ولا تضره وإنما أوجبها علينا لمصلحتنا ولسنا نقول كما قال من عدل به عن طريق الهدى أنه يجب على الله رعاية مصالح عباده بل إن هذا عادة الحق وشرعته. - (طب) وكذا في الأوسط (عن ابن عباس) لم يرمز المصنف له بشيء قال الهيتمي: فيه إسماعيل بن عمر البجلي وثقه ابن حبان وضعفه غيره انتهى وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف. 201 - (أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان) أي صيانته عن النطق بما نهى عنه من نحو كذب وغيبة ونميمة وغيرها واللسان إذا لم يحفظ أفسد القلب وبفساده يفسد البدن كله، ولهذا قيل في صحف إبراهيم على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل نطقه إلا بما يعنيه. قال الراغب: والحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم وتارة لضبط الشيء في النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد انتهى. - (هب عن أبي جحيفة) بضم الجيم السوائي وهب بن عبد الله ويقال وهب بن وهب. 202 - (أحب الأعمال) وفي رواية أفضل الأعمال وفي أخرى أفضل الإيمان ولا تعارض لأن الحب من متعلقات القلب فناسب الإيمان وهو عمل قلبي فناسب التعبير عنه بالعمل (إلى الله الحب في الله والبغض في الله) أي لأجله وبسببه لا لغرض آخر كميل أو إحسان ففي بمعنى اللام المعبر به في رواية. وقال العيني: في أصلها للظرفية لكنها هنا للسببية أي سبب طاعة الله ومعصيته كما في حديث في النفس المؤمنة مئة من الإبل ومنه قوله تعالى - (حم عن أبي ذر) قال ابن الجوزي حديث لا يصح ويزيد بن أبي زياد أحد رجاله قال ابن المبارك: ارم به وسوار العنبري قال فيه الثوري ليس بشيء انتهى وبه يعرف أن تحسين المصنف له ليس في محله. [ص 168] 203 - (أحب أهلي إليّ فاطمة) الزهراء سميت به لأن الله فطمها وولدها ومحبيهم عن النار كما في خبر ضعيف خلافاً لمن وهم رواه النسائي والحافظ الدمشقي وغيرهما. قال في الفردوس: وهذا قاله حين سأله عليّ والعباس يا رسول الله أيّ أهلك أحب إليك؟ وحبه إياها كانت أحبية مطلقة وأما غيرها فعلى معنى من وحبه لها كان جبلياً ودينياً لما لها من حموم المناقب والفضائل. - (ت ك عن أسامة) بضم الهمزة مخففاً (ابن زيد) الكلبي مولى النبي صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه حسنه الترمذي وصححه الحاكم ورواه عنه أيضاً الطيالسي والطبراني والديلمي وغيرهم. 204 - (أحب أهل بيتي إليّ) قيل هم هنا علي وفاطمة وابناها أصحاب الكساء وقيل مؤمنو بني هاشم والمطلب (الحسن والحسين) ومن قال بدخول الزوجات فمراده كما قال النووي إنهن من أهل بيته الذين يعولهم وأمر باحترامهم وإكرامهم وأما قرابته فهم من ينسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب. قال الحراني: والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد. - (ت) وكذا أبو يعلى (عن أنس) وحسنه الترمذي وتبعه المصنف فرمز لحسنه وفيه يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة قال في الميزان قال ابن حبان يروى عن أنس أليس في حديثه لا تحل الرواية عنه وقال أبو حاتم ضعيف عنده عجائب وساق البخاري هذا في الضعفاء ثم قال يوسف أبو شيبة عنده عجائب. 205 - (أحب الناس إليّ) من حلائلي الموجودين بالمدينة إذ ذاك (عائشة) على وزان خبر إن ابن الزبير أول مولود في الإسلام يعني بالمدينة والا فمحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم لخديجة أمر معروف شهدت به الأخبار الصحاح ذكره الزين العراقي وأصله قول الكشاف يقال في الرجل أعلم الناس وأفضلهم يراد من في وقته وإنما كانت عائشة أحب إليه من زوجاته الموجودات حالتئذ لاتصافها بالفضل وحسن الشكل، قال القرطبي: فيه جواز ذكر الأحب من النساء والرجال وأنه لا يعاب على من فعله إذا كان المقول له من أهل الخير والدين ويقصد بذلك مقاصد الصالحين وليقتدى به في ذلك فيحب من أحب فإن المرء مع من أحب. وإنما بدأ بذكر محبته عائشة لأنها محبة جبلية ودينية وغيرها دينية لا جبلية فسبق الأصل على الطارئ، فقيل له ومن الرجال؟ قال (ومن الرجال أبوها) لسابقته في الإسلام ونصحه لله تعالى ورسوله وللإسلام وأهله وبذل ماله ونفسه في رضاهما ولا يعارض ذلك خبر الترمذي أحب أهلي إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد ثم علي وخبر أحمد وأبو داود والنسائي قال ابن حجر صحيح عن النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول والله لقد علمت أن علياً أحب إليك من أبي الحديث لما تقرر أن جهات المحبة مختلفة فكأنه قال كل من هؤلاء أحب إليّ من جهة مخصوصة لمعنى قام به وفضيلة تخصه. - (ق ت عن ابن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الأمير المشهور أسلم سنة ثمان على الأصح وولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم عمان ثم ولاه عمر مصر ثم أقطعه معاوية وبها مات قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال: عائشة قلت: إني لست أعني النساء إني أعني الرجال قال: ومن الرجال أبوها (ت ه) وكذا ابن حبان (عن أنس) بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليك قال: عائشة قيل له: ليس عن أهلك نسألك فذكره وفي الباب عن عبد الله بن شقيق وغيره. 206 - (أحب الأسماء) وفي رواية لمسلم إن أحب أسمائكم ومنه يعلم أن المراد أسماء الآدميين (إلى الله) أي أحب ما يسمى [ص 169] به العبد إليه (عبد الله وعبد الرحمن) لأنه لم يقع في القرآن عبد إلى اسم من أسمائه تعالى غيرهما ولأنهما أصول الأسماء الحسنى من حيث المعنى فكان كل منهما يشتمل على الكل ولأنهما لم يسم الله بهما أحد غيره وأما: *وأنت غيث الورى لا زلت رحمنا * فمن تعنت الكفرة، وذكر المصنف أن اسم عبد الله أشرف من عبد الرحمن فإنه تعالى ذكر الأول في حق الأنبياء والثاني في حق المؤمنين وأن التسمي بعبد الرحمن في حق الأمة أولى انتهى. وما ذكره لا يصفو عن كدر فقد قال بعض العلماء الشافعية التسمي بعبد الله أفضل مطلقاً لأن البداءة به هنا فتقديمه على غيره يؤذن بمزيد الاهتمام وذهب إلى ذلك صاحب المطامح من المالكية فجزم بأن عبد الله أفضل وعللّه بأن اسم الله هو قطب الأسماء وهو العلم الذي يرجع إليه جميع الأسماء ولا يرجع هو إلى شيء فلا اشتراك في التسمية به البتة والرحمة قد يتصف بها الخلق فعبد الله أخص في النسبة من عبد الرحمن فالتسمي به أفضل وأحب إلى الله مطلقاً وزعم بعضهم أن هذه أحبية مخصوصة لأنهم كانوا يسمون عبد الدار وعبد العزى فكأنه قيل لهم أحب الأسماء المضافة إلى العبودية هذان لا مطلقاً لأن أحبها إليه محمد وأحمد إذ لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل ردّ بأن المفضول قد يؤثر لحكمة وهي هنا الإيماء إلى حيازته مقام الحمد وموافقته للحميد من أسمائه تعالى على أن من أسمائه أيضاً عبد الله كما في سورة الجنّ وإنما سمى ابنه إبراهيم لبيان جواز التسمي بأسماء الأنبياء وإحياء لاسم أبيه إبراهيم ومحبة فيه وطلباً لاستعمال اسمه وتكرره على لسانه وإعلاناً لشرف الخليل وتذكيراً للأمة بمقامه الجليل ولذلك ذهب بعضهم إلى أن أفضل الأسماء بعد ذينك إبراهيم لكن قال ابن سبع أفضلها بعدهما محمد وأحمد ثم إبراهيم. - (م د ت ه عن ابن عمر) بن الخطاب وفي الباب أيضاً عن أنس وغيره. 207 - (أحب الأسماء) التي يسمى بها الإنسان (إلى الله ما تعبد له) بضمتين فتشديد بضبط المصنف لأنه ليس بين العبد وربه نسبة إلا العبودية فمن تسمى بها فقد عرف قدره ولم يتعد طوره وقال الأذرعي من أجلاء الشافعية ووقع في الفتاوى أن إنساناً سمى بعبد النبي فتوقفت فيه ثم ملت إلى أنه لا يحرم إذا قصد به التشريف بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعبر بالعبد عن الخادم ويحتمل المنع من ذلك خوف التشريك من الجهلة أو اعتقاد أو ظنّ حقيقة العبودية انتهى. وقال الدميري: التسمي بعبد النبي قيل يجوز إذا قصد به النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الأكثر إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية كما لا تجوز التسمية بعبد الدار وقياسه تحريم عبد الكعبة (وأصدق الأسماء همام) كشداد من همّ عزم (وحارث) كصاحب من الحرث وهو الكسب وذلك لمطابقة الاسم لمعناه إذ كل عبد متحرك بالإرادة والهم مبدأ الإرادة ويترتب على إرادته حرثه وكسبه فإذاً لا ينفك مسماهما عن حقيقة معناهما بخلاف غيرهما. قال في المطامح: وهذا تنبيه على معنى الاشتقاق ولهذا خص الحريري في مقاماته هذين الاسمين. وقال الطيبي: ذكر أولاً أن أحب الأسماء ما تعبد له لأن فيه خضوعاً واستكانة على ما سبق ثم نظر إلى أن العبد قد يقصر في العبودية ولم يتمكن من أدائها بحقها فلا يصدق عليه هذا الوصف فتنزل إلى قوله همام وحارث. - (الشيرازي في) كتاب (الألقاب طب عن ابن مسعود) قال الهيتمي فيه محمد بن محصن العكاشي متروك انتهى. وقال في الفتح: في إسناده ضعف ولم يرمز المؤلف له هنا بشيء ووهم من زعم أنه رمز له بالضعف لكنه جزم بضعفه في الدرر. 208 - (أحب الأديان) جمع دين وقد سبق معناه والمراد هنا ملل الأنبياء والشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ وفي رواية للبخاري الدين بالإفراد فإن حمل على الجنس وافق ما هنا وإلا فالمراد أحب خصال الدين لأن خصالها كلها [ص 170] محبوبة لكن ما كان منها سمحاً أو سهلاً فهو أحب إلى الله كما يشهد له خبر أحمد الآتي "خير دينكم أيسره" (إلى الله) دين (الحنيفية) المائلة عن الباطل إلى الحق أو المائلة عن دين اليهود والنصارى فهي المستقيمة والحنيفية ملة إبراهيم والحنيف لغة من كان على ملته. قال الله تعالى - (حم خد طب) كلهم عن علقمة وعلقه البخاري في الصحيح من حديث عكرمة (عن ابن عباس) قال الهيتمي: فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري منكر الحديث. قال: قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله فذكره وقال شيخه العراقي فيه محمد بن إسحاق رواه بالعنعنة أي وهو يدلس عن الضعفاء فلا يحتاج إلا بما صرح فيه بالتحديث انتهى. قال العلائي: لكن له طرق لا ينزل عن درجة الحسن بانضمامها وقال ابن حجر في التخريج له شاهد مرسل في طبقات ابن سعد قال: وفي الباب عن أبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عمر وأبي أمامة وأبي هريرة وغيرهم وقال أعني ابن حجر في الفتح وفي المختصر إسناده حسن انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لصحته غير جيد. 209 - (أحب البلاد) أي أحب أماكن البلاد ويمكن أن يراد بالبلد المأوى فلا تقدير (إلى الله مساجدها) لأنها بيوت الطاعة وأساس التقوى ومحل تنزلات الرحمة. قال الراغب: والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وتسمى المفازة بلداً لكونها محل الوحشيات والمقبرة بلداً لكونها موطناً للأموات (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) جمع سوق سميت به لأن البضائع تساق إليها وذلك لأنها مواطن الغفلة والغش والحرص والفتن والطمع والخيانة والأيمان الكاذبة في الأعراض الفانية القاطعة عن الله تعالى، وقال الطيبي: تسمية المساجد والأسواق بالبلاد خصوصاً تلميح إلى قوله تعالى - (م) في الصلاة (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضاً ابن حبان وابن زنجويه (حم ك عن جبير بن مطعم) بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين ولم يخرجه البخاري. 210 - (أحب الجهاد إلى الله كلمة حق) أي موافق للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا ذكره الراغب وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها (تقال لإمام) سلطان (جائر) ظالم لأن من جاهد العدو فقد تردّد بين رجاء وخوف وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه فهو أفضل والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا فلا حاجة لتقدير من. - (حم طب عن أبي أمامة) قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة وقد وضع رجله في الغرز فقال: أي الجهاد أفضل يا رسول الله فسكت ثم ذكره رمز المصنف لحسنه ورواه النسائي عن جابر بلفظ أفضل وإسناده صحيح. 211 - (أحب الحديث إليّ) بتشديد الياء بضبط المؤلف هكذا رأيته بخطه وهي ياء النسبة (أصدقه) أفعل تفضيل بتقدير من أو بمعنى فاعل والصدق مطابقة الخبر للواقع والكذب عدمها وفي رواية أحب الحديث إلى الله أصدقه وعليها ففيه دلالة على أفضلية القرآن على غيره - (حم خ عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو مخففة وراء مهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ابن نوفل بن أهيب الزهري صحابي صغير فقيه عالم متدين قتل في فتنة ابن الزبير أصابه حجر المنجنيق وهو قائم يصلي في الحجر وله عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف (ومروان) بن الحكم الأموي (معاً) ولد سنة اثنين أو يوم أحد أو يوم الخندق أو غيرها قال في الكاشف ولم يصح له سماع وفي أسد الغابة أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لا يعقل لما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه الحكم بايعه بعض أهل الشام بالخلافة لما مات معاوية بن يزيد فأقام تسعة أشهر ثم هلك. 212 - (أحب الصيام) المتطوع به (إلى الله) تعالى أي أكثر ما يكون محبوباً إليه والمراد إرادة الخير بفاعله (صيام) نبي الله (داود) وبين وجه الأحبية بقوله (كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوماً ومفارقته يوماً. قال الغزالي: وسره أن من صام الدهر صار الصوم له عادة فلا يحس وقعه في نفسه بالانكسار وفي قلبه بالصفاء وفي شهواته بالضعف فإن النفس إنما تتأثر بما يرد عليها لا بما تمرنت عليه. ألا ترى أن الأطباء نهوا عن اعتياد شرب الدواء وقالوا من تعوده لم ينتفع به إذا مرض لألف مزاجه له فلا يتأثر به وطب القلوب قريب من طب الأبدان انتهى وهذا أوضح في البيان وأبلغ في البرهان من قول من قال صوم الدهر قد يفوت بعض الحقوق وقد لا يشق باعتياده وعليه فالمراد حقيقة اليوم وقال أبو شامة يصوم وقتاً ويفطر وقتاً أي لا يديم الصيام خوف [ص 172] الضعف عن الجهاد قال وقد جمعت الأيام التي ورد فيها الأخبار أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يصومها فقاربت أن تكون شطر الدهر فهو بمثابة صوم داود. قال ابن المنير: كان داود يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه فأما الليل فاستقام له ذلك في ليله وأما النهار فيتعذر تجزئته لعدم تبعيض الصيام فنزل صوم يوم وفطر يوم بمنزلة التجزئة في شقص اليوم (وأحب الصلاة) من الليل المطلق (إلى الله صلاة داود كان ينام نصف) وفي رواية كان يرقد شطر (الليل) إعانة على قيام البقية المشار إليه بآية قال ابن المنير هذا في حق الأمة لا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أمره الله بقيام أكثر الليل في قوله تعالى - (حم ق د ن ه عن) عبد الله (بن عمرو) بن العاص كان يسرد الصيام والقيام فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم إن لجسدك عليك حقاً ثم ذكره. 213 - (أحب الطعام) عام في كل ما يقتات من بر وغيره (إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) أي أيدي الآكلين لأن اجتماع الأنفاس وعظم الجمع أسباب نصبها الله سبحانه وتعالى مقتضية لفيض الرحمة وتنزلات غيث النعمة وهذا كالمحسوس عند أهل الطريق ولكن العبد يجهله يغلب عليه الشاهد على الغائب والحس على العقل. - (ع حب هب والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد الله قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني وأبي يعلى فيه عبد المجيد بن أبي رواد وفيه ضعف وقال الزين العراقي إسناده حسن انتهى ولعله باعتبار تعدد طرقه وإلا فقد قال البيهقي عقب تخريجه ما نصه تفرد به عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج انتهى وعبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال المنذري رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد وقد وثق قال لكن في الحديث نكارة انتهى وبما تقرر عرف أن المؤلف لم يصب في رمزه لصحته بل قصاراه الحسن وزاد في رواية وذكر اسم الله فالأحبية لكل منهما كما يفيده اقتصاره هنا على ما ذكر. 214 - (أحب الكلام) أل فيه بدل من المضاف إليه أي أحب كلام الناس (إلى الله أن يقول العبد) أي الإنسان حراً كان أو عبداً (سبحان الله) أي أنزهه عن كل سوء فسبحان علم للتسبيح أي التنزيه البليغ لا يصرف ولا ينصرف كذا ذكر في الكشاف فظاهره أنه علم له حتى في حال الإضافة قال وتخصيص ابن الحاجب له بغيرها رده في الكشف بأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها (وبحمده) الواو للحال أي أسبح الله متلبساً بحمده أو عاطفة أي أسبح الله وأتلبس بحمده ومعناها أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات. - (حم م ت عن أبي ذر) ولم يخرجه البخاري بهذه الصيغة. [ص 173] 215 - (أحب الكلام إلى الله) تعالى أي كلام البشر لأن الرابعة لم توجد في القرآن ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه ويحتمل أن تتناول كلام الله أيضاً لأنها وإن لم تكن فيه باللفظ فهي فيه بالمعنى (أربع) في رواية أربعة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) لأنها جامعة لجميع معاني أنواع الذكر من توحيد وتنزيه وصنوف أقسام الحمد والثناء ومشيرة إلى جميع الأسماء الحسنى لأنها إما ذاتية كالله أو جمالية كالمحسن أو جلالية كالكبير فأشير للأول بالتسبيح لأنه تنزيه للذات وللثاني بالتحميد لأنه يستدعي النعم وللثالث بالتكبير وذكر التهليل لما قيل إنه تمام المئة في الأسماء وأنه اسم الله الأعظم وهو داخل في أسماء الجلال (لا يضرك) أيها المتكلم بهنّ في حصول الثواب على الإتيان بهنّ (بأيهنّ بدأت) لاستقلال كل واحدة من الجمل لكن هذا الترتيب حقيق بأن يراعى لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولاً بنعوت الجلال التي هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصاً ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي بها استحق الحمد ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ - (حم م عن سمرة) بضم الميم وقد تسكن تخفيفاً نحو عضد في عضد وهي لغة أهل الحجاز (ابن جندب) بضم الجيم وضم المهملة وفتحها ابن هلال وهو الفزاري نزيل البصرة وواليها وكان عظيم الأمانة صدوق الحديث شديداً على الحرورية يقتل من ظفر به منهم وهو أحد المكثرين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. 216 - (أحب اللهو) أي اللعب وهو ترويح النفس بما لا تقتضيه (إلى الله تعالى إجراء الخيل) أي مسابقة الفرسان بالأفراس بقصد التأهب للجهاد. وقال الراغب: والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعاً قال الله تعالى - (عد عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وإسناده ضعيف. [ص 174] 217 - (أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله) أي لعيال الله بدليل خبر أبي يعلى "الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله" وخبر الطبراني "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" والمراد من يستطاع نفعه من الخلق الأهم فالأهم أو المراد عيال الإنسان أنفسهم الذين يمونهم وتلزمه نفقتهم والأول أقرب قال الماوردي ونظمه بعضهم فقال: الناس كلهم عيا * ل الله تحت ظلاله فأحبهم طرا إليـ * ـه أبرهم بعياله قال القاضي: ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل فرائضه ومحبة الله تعالى للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة وصونه عن المعصية، وفي الحديث رد على من رفض الدنيا بالكلية من النساك وترك الناس وتخفى للعبادة محتجاً بآية - (عبد الله) ابن الامام أحمد بن حنبل (في زوائد) كتاب الزهد لأبيه (عن الحسن مرسلاً) بإسناد ضعيف لكن شواهده كبيرة وهو البصري أبو سعيد مولى زيد بن ثابت أو جميل بن قطبة أو غيرهما وأبوه يسار من سبي ميسان أعتقه الربيع بن النضر ولد زمن عمر وشهد الدار وهو ابن أربع عشرة سنة إمام كبير الشأن رفيع القدر رأس في العلم والعمل مات سنة عشر ومئة. 218 - (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) بضمتين معنى حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه والتواضع وقد تضمن هذا الخبر عظيم الحث عليه حيث علق به حكم الأحبية إليه فحق لكل مسلم أن يرغب في ذلك كمال الرغبة وفيه رمز إلى أنه ممكن الاكتساب وإلا لاختص بما كان مطبوعاً عليه فيفوت معنى الترغيب فيه ويصير حسرة على من لم يمكنه، نعم أصله جبلي كما سيجيء تحقيقه وعبر بصيغة أفعل وهو ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره دفعاً لتوهم حرمان من طبع على ذلك بل أشعر بأنهم كلهم محبوبون لكن من تكلفه بقهر النفس ومجاهدتها حتى صار أحسن خلقاً أحب إليه من أولئك. - (طب عن أسامة) بضم الهمزة (ابن شريك) الذبياني صحابي روى عنه زياد ابن علاقة وغيره قال أسامة كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله فذكره قال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح انتهى وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وإنما كان الأولى أن يرمز لصحته. 219 - (أحب بيوتكم) أي أهل بيوتكم أيها المسلمون من مجاز وصف المحل بصفة ما يقع فيه (إلى الله بيت فيه يتيم) أي طفل مات أبوه فانفرد عنه (مكرم) بالبناء للمفعول أي بالإحسان إليه وعدم إهانته ونحو ذلك فأراد بمحبة البيوت محبة ما يقع فيها من إكرام الأيتام وفيه حث على إكرام الأيتام وتحذير من إهانتهم وإذلالهم من غير موجب قال [ص 175] ابن الكمال أخذاً من الزمخشري واليتيم في عرف الشرع مختص بمن لم يبلغ واحتاج إلى كافل وبالبلوغ يزول ذلك انتهى وأقول سياق الخبر هنا يدل على أن المراد الصغير المحتاج لفقد من كان يقوم بكفالته وما يحتاجه من نحو نفقة وكسوة ذكراً كان أو أنثى حتى لو فرض أن الذي كان هو القائم به أمه دون أبيه لنحو غيبة وانقطاع خبره أو فقره أو حبسه ونحو ذلك فيدخل في ذلك وإن كان تصرف الفقهاء يأباه. - (هب) وكذا الطبراني والأصبهاني (عن عمر) بن الخطاب ثم قال أعني البيهقي تفرد به إبراهيم بن إسحاق الضبي عن مالك انتهى وإبراهيم أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال في الميزان له أوابد، وَعَدّ منها هذه؛ وقال العقيلي حديث لا أصل له انتهى وضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه إسحاق بن إبراهيم الضبي وكان ممن يخطئ لكن يشهد له خبر ابن ماجه "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين فيه اليتيم يساء إليه". 220 - (أحب الله) تعالى بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة دعاء أو خبر (عبداً) أي إنساناً (سمحاً) بفتح فسكون صفة مشبهة تدل على الثبوت، فلذا كرر أحوال البيع والشراء والقضاء والتقاضي فقال (إذا باع، وسمحاً إذا اشترى، وسمحاً إذا قضى) أي أدى ما عليه (وسمحاً إذا اقتضى) أي طلب ما له برفق ولين جانب. قال الجوهري: سمح جاد والمسامحة المساهلة والاقتضاء التقاضي وهو طلب قضاء الحق قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلاً للرحمة وفيه فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سبباً لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة الأبدية. - (هب عن أبي هريرة) رضي الله عنه رمز المؤلف لحسنه مع أن فيه الوافدي والكلام فيه مشهور ومحمد بن الفرج فإن كان هو الأزرق فقد طعن الحاكم في اعتقاده وهشام بن سعد وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وأورده في الضعفاء والمتروكين قال وضعفه النسائي وغيره وقال ابن معين هو ضعيف لكن يكتب حديثه. 221 - (أحبكم إلى الله أقلكم طعماً) بضم الطاء أكلاً، وكنى به عن الصوم لأن الصائم يقل أكله غالباً أو هو ندب إلى إقلال الأكل فلا يأكل إلا ما يتقوى به على العبادة وما لا بد منه للمعاش (وأخفكم بدناً) أوقعه موقع التعليل لما قبله فإن من قل أكله خف بدنه ومن خف بدنه نشط للعبادة وللعبادة تأثير في تنوير الباطن وإشراقه وخفة البدن أمر محمود والسمن مذموم قال الإمام الشافعي: ما أفلح سمين قط إلا محمد بن الحسن وذلك لأن العاقل إنما يهتم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الغم لا ينعقد فإذا خلي من المعنيين صار في عداد البهائم فانعقد شحمه، وقد تطابقت الأخبار والآثار على ذم الشبع، والجوع أساس سلوك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فلذلك خص بالأحبية. قالوا شبع يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ليلة من خبز الشعير فنام عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يا يحيى هل وجدت داراً خيراً من داري وجواراً خيراً من جواري؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وزهقت روحك اشتياقاً ولو اطلعت على جهنم إطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع ولبست الحديد بعد النسوج، وقال الشاذلي جعت مرة ثمانين يوماً فخطر لي أيحصل لي من ذلك شيء وإذ بامرأة خرجت من مغارة كأن وجهها الشمس حسناً وهي تقول منحوس جاع ثمانين يوماً فأخذ يدل على ربه بعمله ها أنا لي ستة أشهر لم أذق طعاماً قط، قال الغزالي: من أبواب الشيطان العظيمة الشبع ولو من حلال فإنه يقوي الشهوات وهي أسلحة الشيطان، وروي أن إبليس ظهر لسيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال: ما هذه فقال: الشهوات التي أصيد بها بني آدم قال: فهل لي فيها شيء قال: ربما شبعت فثقاناك عن الصلاة والذكر قال: لله علي أن لا أملأ بطني أبداً قال إبليس: ولله عليّ أن لا أنصح أبداً.[ص 176] - (فر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما ورواه عنه أيضاً (ك). في تاريخه ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحاً فلو عزاه إليه لكان أولى ثم إن فيه أبا بكر بن عياش قال الذهبي رحمه الله في الضعفاء ضعفه ابن نمير وهو ثقة ومن ثم رمز لضعفه. 122 - (أحب) بفتح الهمزة وكسر المهملة وفتح الموحدة مشددّة فعل أمر (للناس ما تحب لنفسك) من الخير كما صرح به في رواية أحمد فلا حاجة لقول البعض عام مخصوص إذ المرء يحب وطء حليلته لنفسه لا لغيره وذلك بأن تفعل بهم ما تحب لن يفعلوه معك وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به وتنصحهم بما تنصح به نفسك وتحكم لهم بما تحب أن يحكم لك به وتحتمل أذاهم وتكف عن أعراضهم وإن رأيت لهم حسنة أذعتها أو سيئة كتمتها وقول ابن الصلاح هذا من الصعب الممتنع لأن المرء مطبوع على حب الإيثار فالتكليف بذلك مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادراً في حيز المنع إن القيام بذلك يحصل بأن يحب لغيره ما يحب حصول مثله له من جهة لا يزاحمه فيها أحد ولا ينتقص شيئاً من نعمته وذلك سهل على القلب السليم وبنحوه يجاب عن قول الطوفي محبته لغيره ما يحب لنفسه إنما هو باعتبار عقله أي يحب له ذلك ويؤثره من جهة عقله أما التكليف به من جهة الطبع فصعب لأنه مطبوع على الاستئثار فيلزم أن لا يكمل إيمان إلا نادراً انتهى ولفظ الناس يشمل الكفار فينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام وما يتفرع عليه من الكمالات. - (تخ ع طب ك هب عن يزيد بن أسد) بزيادة ياء وضم همزة وفتحها وفي رواية للطبراني عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحب الجنة قلت نعم قال أحب لأخيك ما تحب لنفسك قال الهيتمي رجال الطبراني كلهم ثقات انتهى ولم يرمز المصنف له بشيء. 223 - (أحبب) بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية فعل أمر (حبيبك هوناً مّا) بفتح فسكون أي أحببه حباً قليلاً. فهوناً منصوب على المصدر صفة لما اشتق منه أحبب. قال الزمخشري: وما إيهامية تزيد النكرة إبهاماً وشياعاً وتسد عنها طرق التقييد. وقال غيره مزيدة لتأكيد معنى القلة وعليه فلا يتجه قوله في الدر كأصله أي حباً مقتصداً لا إفراط ولا تفريط فيه ويصح نصبه على الظرف لأنه من صفات الأحيان أي أحببه في حين قليل ولا تسرف في حبه فإنه (عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هونا مّا) فإنه (عسى أن يكون حبيبك يوماً مّا) أي ربما انقلب ذلك بتغيير الزمان والأحوال بغضاً فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته أو حباً فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته ذكره ابن الأثير وقال ابن العربي: معناه أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فقد يعود الحبيب بغيضاً وعكسه فإذا أمكنته من نفسك حال الحب عاد بغيضاً كان لمعالم مضارك أجدر لما اطلع منك حال الحب بما أفضيت إليه من الأسرار وقال عمر رضي الله تعالى عنه لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفاً وعليه أنشد هدبة بن خشرم: وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا * فإنك لا تدري متى أنت راجع وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى * فإنك راء ما عملت وسامع وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا * فإنك لا تدري متى أنت نازع ولهذا قال الحسن البصري أحبوا هوناً وأبغضوا هوناً فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا. - (ت) في البر والصلة من حديث سويد بن عمرو الكلبي عن حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال ت غريب ضعيف والصحيح عن علي موقوفاً انتهى ورواه ابن حبان في الضعفاء بسند الترمذي وأعله بسويد وقال: يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحيحة (هب عن أبي هريرة) رفعه وظاهره أن البيهقي خرجه وأقره والأمر [ص 177] بخلافه بل قال هو أي رفعه وهم انتهى وفيه أيضاً سويد الكلبي المذكور وقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال اتهمه ابن حبان وقال كان يضع المتون الواهية على الأسانيد الصحاح (طب) من حديث أبي الصلت عبد السلام الهروي عن جميل بن يزيد (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي: وجميل ضعيف انتهى وأعله ابن حبان به وقال: بروي في فضائل علي وأهله العجائب لا يحتج به إذا انفرد وقال الزيلعي: عبد السلام الهروي ضعيف جداً (وعن ابن عمرو) بن العاص قال الهيتمي: وفيه محمد بن كثير الفهري وهو ضعيف (قط في) كتاب (الأفراد، عد عب عن علي) أمير المؤمنين مرفوعاً وفيه عطاء بن السائب عن أبي البحتري وقد مر بيان حاله وقال الدارقطني في علله لا يصح رفعه وقال ابن حبان رفعه خطأ فاحش (خد هب عن علي موقوفاً) قال الترمذي هذا هو الصحيح وتبعه جمع جم منهم ابن طاهر وغيره، وبعد إذ علمت هذه الروايات فاعلم أن أمثلها الأولى وقد استدرك الحافظ العراقي علي الترمذي دعواه غرابته وضعفه فقال قلت رجاله رجال مسلم لكن الراوي تردد في رفعه انتهى والمصنف رمز لحسنه. 224 - (أحبوا) بفتح الهمزة وكسر المهملة (الله) وجوباً (لما) أي لأجل ما (يغذوكم) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم المعجمة (به) من الغذاء بالكسر ككساء ما به نماء الجسم وقوامه وهو أعم من الغذاء بالفتح إذ كل غذاء غذاء ولا عكس وفي رواية لما يرفدكم به (من نعمه) أي أحبوا الله لأجل إنعامه عليكم بصنوف النعم وضروب الآلاء الحسية كتيسير ما يتغذى به من الطعام والشراب والمعنوية كالتوفيق والهداية ونصب أعلام المعرفة وخلق الحواس وإفاضة أنوار اليقين على القلب وغير ذلك من الأغذية الروحانية المعلوم تفصيلها عند علماء الآخرة قال ابن عطاء الله: ما من وقت ولحظة إلا وهو مورد عليك فيها نعماً يجب حبه لها وشكره عليها دائماً فمتى فات حق وقت لا يمكن قضاؤه أبداً إذ ما من وقت إلا وله عليك فيه حق جديد وهو الشكر وأمر أكيد وهو الاستغفار والتجريد
|